“السيدة جانسيت قازان” غابت جسداً وحضرت روحاً ووجداناً
عبّرت السيدة “جانسيت قازان” في كلّ جلسة توثيق لها مع مؤسسة وثيقة وطن عن شعورها العميق بتجذر التعدّدية في سورية وأصالته، واصفة الجمال السوري بباقة ورد، وممّا ذكرته في إحدى مقابلات التأريخ الشفوي الموثّقة مع مؤسسة وثيقة وطن بتاريخ 21/ 9/ 2019: “كم جميل أن يكون المرء أرمنيّاً وسوريّاً في الوقت ذاته، فهناك سوريّ أرمنيّ وسوريّ كرديّ وسوريّ شركسيّ وسوريّ آشوريّ وسوريّ سريانيّ، وهنا يكمن جمال سورية التي أحبّ أن أصفها بأنّها باقة ورد نضرة وملوّنة بألوان الورد الجوري، وهذا ما أفتخر به وأحبّه كثيراً هذا التنوع الكبير “.
سجّلت السيدة “جانسيت” رحمها الله مع مؤسسة وثيقة وطن أكثر من 13 ساعة توثيق على مدى سبع جلسات أجراها عدد من محاوري المؤسسة، تحدّثت خلالها عن حياتها وذكريات الطفولة في الجولان ومشاركة والدها في القتال في فلسطين في جيش الإنقاذ، ومأساة النزوح والهجرة من قريتها الغانية سنة 1967، ونشاطها الإنساني والتطوعي والسياسي، وصولاً إلى الحرب على سوريا التي بدأت عام 2011.
ومما قالته خلال مقابلات التوثيق الشفوي المسجلة بتاريخ 8/1/2020: “أنا سوريّة شركسيّة، وهذه الأرض أعطتنا الهويّة قبل أيّ شيء آخر، إلى جانب الانتماء، ولهذا نشعر بكل شخص تغرّب عن أرضه وعن وطنه، أو انسلخ عن جذوره، ثم زرع جذوره في تربة أخرى صالحة، وبعبارة أخرى، لو كنت قد زرعت هذه الجذور في بلد آخر، فلربما لم أكن لأشعر بالانتماء له، ولكن بالنسبة إلى هذه الأرض، فأنا أعدها أرضا مقدّسة، وزرعت جذوري فيها، ولا يمكن لي أن أتخلّى عن هذه الجذور ما حييت”.
وحول استشهاد ولدها قالت في المقابلة المسجّلة بتاريخ 10/5/2020: “عندما استشهد أنزور، دخلت إلى غرفته، ونظرت في أنحاء الغرفة، فوجدته قد وضع القرآن فوق رأسه مباشرة، فقال لي ابن سلفي: دعينا نرى أين وصل في قراءة القرآن حتى نكمله بالنيابة عنه، ففتحت المصحف لأجد أنّه قد وضع علامة عند (سورة الأنفال) فكلّ المقاومين قبل أن يخوضوا أية معركة لا بدّ من أن يقرؤا «سورة الأنفال» أو جزءاً منها على الأقل لأنها تحثّ على الجهاد وتعطي دافعاً أكبر للجهاد والقتال”.
وقد ختمت سلسلة مقابلاتها مع وثيقة وطن بالقول: “وليكن هذا مسك الختام بتوجيه أطيب التحيّات ومشاعر المحبّة لوثيقة وطن التي تعمل على توثيق مشاريع عديدة ومنها الحرب على سوريا، لأنّه من الأهميّة بمكان أن نوثّق هذه الحرب لتدرّس فيما بعد في كلّ أكاديميات العالم”.
رحم الله السيدة “جانسيت” التي خاضت معركة الحياة بكلّ جرأة، فقاومت المرض بجسدها وعقلها بشعار صاغته من تجربتها فأعلنت أنّ “لا حياة مع اليأس ولا يأس مع الحياة”. ضحّت من أجل الوطن بأغلى ما تملك فاستشهد ولدها ليستمرّ الوطن. إنّ وثيقة وطن التي كان لها شرف تسجيل ساعات من المقابلات مع جانسيت قازان الإنسانة الصادقة والمناضلة والمعطاءة سوف تضع شهادتها في متناول الأجيال في كتاب سيحمل عنوان: “جانسيت قازان: ابنة الجولان العربي السوري”.
مؤسسة وثيقة وطن. دمشق